تونس: الجغرافيا أم الاقتصاد والسياسة؟
رد الرئيس التونسي قيس سعيد على المطالبات له بتقديم «خارطة طريق» لإخراج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية الراهنة بالقول إن «من يتحدث عن الخرائط فليذهب إلى كتب الجغرافيا لينظر في البحار والقارات» معتبرا ذلك من المفاهيم التي تأتي من الخارج، مضيفاً: «خريطة الطريق الوحيدة التي أسلكها وسأسلكها بثبات وعزم هي الخريطة التي وضعها الشعب التونسي».
سخرية الرئيس التونسي من المصطلح غير موفقة فالطرف الذي كان أول من طالب الرئيس بـ«خارطة طريق» وهو الاتحاد العام التونسي للشغل، كان الجهة السياسية الأساسية التي أعلنت، بشكل مبكر، دعم حركة سعيد، ولا يصح، بالمنطق السياسي، التعالي عليها بالحديث عن «خريطة وضعها الشعب التونسي» فالاتحاد لديه شرعية تمثيلية لفئات شعبية يجب احترامها، وهو الأمر الذي ينطبق على الأحزاب السياسية، على اختلاف أوزانها، وللمؤسسات الدستورية الأخرى التي قام الرئيس بتعليق عملها، من الحكومة إلى البرلمان.
اعتمد الرئيس التونسي، الذي هو خبير في القانون الدستوري، على فقرة في الدستور تعطيه الحق في اتخاذ إجراءات استثنائية في حالة وجود خطر داهم على البلاد، لكن تلك الفقرة تشترط عليه موافقة رئيس الوزراء ورئيس المجلس النيابي، وتبقي البرلمان مفتوحا، ولأنه لم يلتزم بتلك الاشتراطات، فقد قام «الاتحاد العام للشغل» مبكرا، بطلب تحديد مدة لتلك الإجراءات الاستثنائية، ومراجعة التدابير الخاصة بالقضاء لضمان استقلاليته، و«وضع خارطة طريق واضحة لتبديد المخاوف» والمقصود طبعا بتلك «المخاوف» انزلاق البلاد إلى دكتاتورية.
بعد تعريضه الساخر بـ«الاتحاد العام للشغل» أطلق الرئيس التونسي تصريحا جديدا مثيرا للجدل، يهاجم فيه «يكذبون ويقولون إن مرجعيتهم هي الإسلام» ويقول إنه «بالرغم من محاولاتهم اليائسة التي تصل أو يفكرون بالاغتيال، يفكرون في القتل، ويفكرون في الدماء».
لا يخفى على أحد، لا في الساحة التونسية ولا خارجها، طبعا، أن سعيد يقصد بذلك التصريح حركة «النهضة» وكما استخدم الرئيس التونسي مصطلح «الشعب التونسي» لمواجهة «اتحاد الشغل» فإن سعيد يستخدم الإسلام لمواجهة حركة تحتسب على ما يتم توصيفه بـ«حركات الإسلام السياسي» وفيما كان السلاح / التهديد الذي استخدمه ضد الحركة النقابية ـ السياسية هو «الخارج» بالنظر إلى طبيعتها اليسارية، فإن السلاح / التهديد الذي استخدمه ضد «النهضة» هو اتهامها بالكذب فيما يخص الإسلام، أي منازعتها الرأسمال الرمزي الذي تستخدمه، كما باعتماد تنميطات الأنظمة العربية (والاستشراق اليميني الغربي) حول الحركات الإسلامية، بربطها بالاغتيالات و«التفكير في الدماء» مع إغفال تاريخ الأنظمة الاستبدادية الدموي والوحشي مع الحركات المعارضة لها (إسلامية أو غير إسلامية).
يشير تحقيق نشره موقع «بلومبرغ» مؤخرا إن الرئيس سعيد، بتأخيره العودة إلى الحكم المنتخب، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على إقالة رئيس الوزراء وتعليق عمل البرلمان، وتعهده بإنقاذ الشعب التونسي، يهدد بعدم إحراز اتفاق مع «صندوق النقد الدولي» وهو ما قد يؤدي إلى تخلف عن سداد الديون، وهو ما يضع البلاد على حافة هاوية اقتصادية بعد أن وضعها على حافة هاوية سياسية.
بدلا من إعادة الاستقرار السياسي، وطمأنة التونسيين على حرياتهم التي ناضلوا عقودا للحصول عليها، واحترام الأطراف السياسية والنقابية التي ساهمت بانتخابه، وبدلا من العمل على إعادة النظام السياسي والبرلماني والقضائي إلى العمل، يطلق الرئيس التونسي تصريحات غير موفقة تثير قلق مواطنيه على مصير بلادهم، وتؤجج مخاوف القوى السياسية من عودة الدكتاتورية، وتدفع المنظومة الدولية للشك بقدرة الرئيس فعلا على إعادة بلاده إلى سكة الأمان.