فضيحة "قطر غيت": هزة سياسية وأمنية تهز مكتب نتنياهو
تمثل فضيحة "قطر غيت" أحد أبرز الأحداث التي عصفت بالمشهد السياسي الإسرائيلي مؤخرًا، حيث تتشابك فيها الاتهامات بالتسريبات الأمنية، والعلاقات المشبوهة مع قطر، واستغلال النفوذ السياسي لأغراض شخصية. هذه القضية، التي بدأت تتفجر تفاصيلها منذ أواخر عام 2024، سلطت الضوء على توترات داخلية عميقة بين مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمؤسسة الأمنية، وأثارت تساؤلات حول مصداقية النظام السياسي وأولوياته.
تسريبات أمنية وعلاقات مالية مشبوهة
انطلقت الشرارة الأولى للفضيحة مع تحقيقات أجراها جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) بالتعاون مع الشرطة والجيش، بعد تسريب وثائق سرية لوسائل إعلام أجنبية، مثل صحيفة "بيلد" الألمانية، تضمنت تفاصيل عن استراتيجية حماس التفاوضية وخطط لتهريب الرهائن عبر ممر فيلادلفيا. وأشارت التحقيقات إلى أن هذه التسريبات قد تكون مُفتعلة أو مُعدَّلة لتأجيج الرأي العام لصالح سياسات نتنياهو المتشددة في حرب غزة.
في الوقت ذاته، توسعت التحقيقات لتنظر في اتهامات بعلاقات مالية غير مشروعة بين مساعدين مقربين من نتنياهو وقطر. ففي أبريل 2025، اعتُقل مساعدان بارزان هما يوناتان أوريخ و إيلي فيلدشتاين بتهم تلقي أموال من جماعات ضغط قطرية مقابل الترويج لصورة إيجابية عن الدولة الخليجية في الإعلام الإسرائيلي والدولي. وتشمل التهم الموجهة لهما: الرشوة، وغسيل الأموال، والتواصل مع جهات أجنبية، ما يعرض الأمن القومي الإسرائيلي للخطر.
التداعيات الأمنية: اختراقات خطيرة ومخاوف من التلاعب
أكد القاضي مناحيم مزراحي أن التسريبات شكَّلت "خطرًا على المعلومات الحساسة ومصادر الاستخبارات"، وأضرت بجهود الحرب في غزة. كما أشارت تقارير إلى أن أحد المتهمين، إيلي فيلدشتاين (المتحدث الأمني السابق لنتنياهو)، حصل على وصول غير مصرح به إلى اجتماعات أمنية سرية رغم عدم حصوله على تصريح أمني من الشاباك.
الأمر الأكثر إثارة للجدل هو اتهامات بتزوير وثائق استخباراتية، مثل الوثيقة المنسوبة لزعيم حماس يحيى السنوار، والتي تبين لاحقًا أنها مُلفقة، ما أثار شكوكًا حول استخدام التسريبات كأداة لتشويه سمعة خصوم نتنياهو السياسيين أو تعطيل صفقات تبادل الرهائن.
الردود السياسية: اتهامات متبادلة وتوترات داخلية
واجه نتنياهو موجة انتقادات حادة من المعارضة، حيث اتهمه زعيمها يائير لابيد بالمسؤولية الشخصية عن كل تسريب يخرج من مكتبه، مشيرًا إلى أن "الفضيحة يجب أن تثير قلق كل إسرائيلي". من جانبه، نفى نتنياهو أي تورط، ووصف التحقيقات بأنها "مطاردة سياسية" تهدف إلى تقويض حكومته، خاصة في ظل محاكمته بتهم فساد سابقة.
لكن تصريحات مسؤولين سابقين مثل بيني غانتس (وزير الجيش السابق) أكدت ضرورة التحقيق الشفاف، معتبرة أن "رئيس الوزراء مسؤول عن كل ما يحدث في مكتبه". كما أشارت تقارير إلى أن الفضيحة عمقت الانقسامات بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية، التي تُحمِّله فشلات أمنية مثل هجمات 7 أكتوبر 2023.
اتهامات بالتدخل ومساعي لتحسين الصورة
تركزت الاتهامات على قطر في سياقين: الأول متعلق بالتسريبات الأمنية المزعومة لصالحها، والثاني بتمويل حملات علاقات عامة لتحسين سمعتها، خاصة قبل استضافة كأس العالم 2022. وفقًا للتحقيقات، تعاونت شركة "بيرسبشن" (التي يديرها أوريخ) مع لوبي قطري لتصوير الدولة كـ"قوة للسلام"، وهو ما نفته قطر ووصفته بـ"حملة تشهير".
من الناحية القانونية، يُجرَّم في إسرائيل التواصل مع جهات أجنبية ذات مصالح متضاربة، حتى دون حدوث ضرر فعلي، ما يجعل التهم الموجهة للمساعدين خطيرة، وقد تصل عقوبتها إلى 15 عامًا سجنًا.
الانعكاسات المستقبلية: استقرار الحكومة وعلاقات إقليمية
رغم محاولات نتنياهو تحويل الأنظار عبر الدعوة للتحقيق في تسريبات سابقة، تبقى الفضيحة اختبارًا لمصداقية حكومته في ظل حرب غزة المستمرة والمحاكمات القضائية. كما أنها تهدد العلاقات الإسرائيلية-القطرية، التي شهدت تعاونًا دبلوماسيًا واقتصاديًا في السنوات الأخيرة.
تكشف "قطر غيت" عن شبكة معقدة من المصالح المتضاربة، حيث تتداخل الأجندات السياسية مع المخاطر الأمنية، مما يعكس أزمة ثقة عميقة داخل المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية، ويطرح تساؤلات حول حدود النفوذ الخارجي في صنع القرار الداخلي.