الاتحاد ، ‏من ‏أكبر ‏قوة ‏في ‏البلاد‏... إلى أكبر دُوَيلة فساد


الاتحاد ، ‏من ‏أكبر ‏قوة ‏في ‏البلاد‏... إلى أكبر دُوَيلة فساد

تونس، اتّحاد الشغل، UGTT، نظام بن علي، شكري بلعيد، الترويكا، حركة النهضة، الحبيب عاشور، ائتلاف الكرامة، المجلس الوطني، اتّحاد عمّال تونس، وينو البترول، الكامور، الفخفاخ، الطبوبي، حربوشة نيوز
الاتحاد-العام-التونسي-للشغل


اتّحاد الشغل UGTT.. دور وظيفي وتقاطع استراتيجي مع <<المنظومة!!!<<

بقلم صابر النفزاوي

* كان اتّحاد الشّغل خير سنَد لنظام بن علي منذ أن سلّم له القياد رسميًّا ونهائيًّا عام 1989 بمكتب تنفيذي معيّن مباشرةً من الرئاسة ...
ذات يوم من عام 2012 لمّح شكري بلعيد إلى أنّه ذراع للجبهة الشعبيّة

استفرغ الوسع لإجهاض ما يُسمّى "تجربة الانتقال السياسي" زمن الترويكا وعرقلة حركة النهضة بمئات الإضرابات وبقيادة مؤامرة الرباعي الانقلابي فيما بعد

سبق أن اصطفّ في صفّ أحد جناحَي "السلطة" زمن السبسي في انحراف مركّب لا يكتفي بالتدخّل الفج في الشأن السياسي

هذا هو باختصار الاتّحاد "أكبر قوّة في البلاد" و"نصير الشغّالين" و"الحارس الأمين" للمصلحة الوطنيّة العليا والّذي يستخدم بإمعان مُلصَق "منظّمة وطنيّة" كأنّ صفة "الوطنيّة" أيّا كان المقصود منها مُسلّمة من مسلّمات العقل المجرّد (Axiome) غير القابلة للمساءلة والمراجعة!

تعوّدنا ألّا نرى اتّحاد الشغل يتحرّك إلّا لأحد سببين (أو علّتين):

 إمّا لتوفير آليات تنفيس ذاتيّ(ة) للسيستام بتشكيل قوّة احتجاج من الداخل أي أداة ضبط وسيطرة في ما يشبه دور المعارضات الكرتونيّة في ظلّ الأنظمة الاستبداديّة..

أو تشويه الوعي الاحتجاجي بنفْث عناوين نضال مضلِّلة، فمنَ الطبيعي والحال تلك ألّا نسمع له رِكْزا في أيّ تحرّك شعبي مفصلي حقيقي!
الاتّحاد في "تقاطع استراتيجي" مع "المنظومة" الّتي عاود الارتباط بها بشكل عضوي/نهائي منذ عام 1981 عندما تقدّم للانتخابات التشريعيّة (المزوّرة) في قائمات مشتركة مع الحزب الاشتراكي الدستوري ("التجمّع “لاحقا)، وحتّى بعودة الحبيب عاشور الزعيم الهرِم إلى الأمانة العامّة عام 1984 لم يتغيّر شيء تقريبا نظرا لتراجع دور "الزّعيم التاريخي" للاتّحاد بعد تصميم بورقيبة وحاشيته على كسر شوكة الابن السابق لحزبهم الحاكم بِرميه في السجن عام 1986 في قضيّة ملفّقة لتحجيم طموحاته السياسيّة الّتي بدأت آنذاك تثير القلق و الانفراد نقابيّا بالمنظّمة الشغيلة ..

ومن الأساطير الّتي مازالت صامدة إلى اليوم مساهمة قيادته المركزيّة في إسقاط بن علي و”إنجاح الثورة”، عبد السّلام جراد وجماعته لم يكونوا سوى أداة ضبط اجتماعي وآليّة تنفيس ذاتي للنظام، بدليل أنّهم استفرغوا الوسع لاحتواء الاحتجاجات بخطاب التفافي وما أن بدأت الأمور تخرج عن السيطرة حتّى أعطت عصابة ساحة محمّد علي تعليماتها لفروعها الجهويّة بالتصرّف “بما تراه صالحا” !..

الاتّحاد بيساريّته "الوظيفيّة" يشكّل ظهيرا إيديولوجيّا يحمي "النمط" من الخارج لأنّه يستثمر في فساده من الدّاخل، وله في "الطبقة العاملة" مآرب أخرى، فلو قمنا بِعمليّة مسح إيديولوجي بسيط لهيكلة مكتبه التنفيذي المباشر نجد ما لا يقل عن (8) أعضاء من اليسار الماركسي والعروبي من أصل 13 عضوا وغياب "الإسلاميين" بشكل شبه كامل، فعمَليًّا باتت هذه المنظّمة النّقابيّة سنَدا فعليًّا للتنطّع اليساري فهي أذُنُه الّتي يسمع بها وعينُه الّتي يُبصر بها ويدُه الّتي بطُش بها ورجله الّتي يمشي بها!..

وانخراطه الأخير في الدعوة إلى استفتاء حول النظام السياسي يؤكّد أنّ هناك خشية ممّن يمكن أن يصلوا إلى البرلمان مستقبلا، فمجلس النوّاب بتركيبته الحاليّة بات فيه ما يشكّل مصدر إزعاج حقيقي للدولة العميقة («ائتلاف الكرامة» نموذجا) وإن كان في حقيقته إزعاجًا إصلاحيًّا/تعديليّا لا ثوريّا/راديكاليًّا رغم  حدّة اللهجة وصخَب المبادرات التشريعيّة الّتي بدأ بعضُها يُلامس اللحم الحي، المركزيّة النقابيّة تمر فعلًا بمرحلة صعبة وهي تحت القصف برلمانيًّا بتسقيف خطابي عالٍ ومبادرات تشريعيّة مستفزّة من قبيل التلويح بالتعدديّة النقابيّة وحتّى قضائيّا بسيل الدعاوى المُثارة ضدّه وبما يفعله الدايمي في إطار محاربة الفساد بتصميم منقطع النّظير ، إذن؛ وضع غير مُريح للاتّحاد قد يجعله يتماهى مع الدعوات الانقلابيّة المنمّقة من أجل إنقاذ رأسه ورأس حاضنته الرسميّة المتمثّلة في "المنظومة".

وحتّى الأجواء "غير الدّيمقراطيّة" الّتي سادت تصويت المجلس الوطني على عقد مؤتمر استثنائي غير انتخابي لتعديل القانون الأساسي ماهي في حقيقتها سوى رَجْع صدى لغياب الديمقراطية داخل المنظّمة النقابيّة والّذي يُمثّل بدوره دليلاً على أنّها "امتداد طبيعي" لعقل دولة الاستبداد العميق!..


من آخر القضايا المُثارة الطاعنة في شرف الاتّحاد تخلّف المنظّمة الوطنيّة جدّااا عن دفع مستحقّات ال CNSS التّي تجاوزت قيمتها ال20 مليون دينار رغم الاقتطاعات "المرصودة" للصندوق المأزوم،، ما يشي بأنّنا في النّهاية إزاء مركزيّة نقابيّة لا يَستفزّها "الفساد" بقدْر ما يُثيرها "سوء توزيع الفساد"،، وحتّى رفضها المستميت للخصخصة ليس في جوهره سوى دفاع عن مصالحها الخاصّة بما أنّها المستفيد الأكبر من فساد المؤسسات العموميّة ولنا في قضيّة الشركة الوطنيّة للنّقل وال160 نقابيّا الّذين يتقاضون أجورا عن ساعات عمل وهميّة أبلغ مثال على هذا التمعّش الخرافي من "رزق البيليك" ! ..

إذ إنّها تستمدّ وجودها الفاعل من خطوط الإمداد المستقرّ بالمال العام مستفيدةً من هشاشة السلطة وخشوع الحكومات المتعاقبة في محراب المؤسّسات الماليّة الدوليّة بما يسهّل عليها جهود التعبئة والتحشيد والشرعنة في "صراع الحدود" الّذي تخوضه بين الحين والآخر مع واجاهات الحكم المتغيّرة، ولا بأس ببعض الانفلات أحيانا لحفظ "الاستقرار" استقرار «المصالح الحيويّة» لنظام يفتقر في العمق إلى عناصر الإسناد الذاتيّ(ة) رغم ما يبدو عليه من تماسك!..

وقد رأينا كيف تصرّفت حكومة الشاهد (ابن "السيستام") مع قضيّة "اتّحاد عمّال تونس" واستفراغها الوسع لتكريس سيطرة الاتحاد العام التونسي للشغل بطعنها من خلال وزيرها للشؤون الاجتماعيّة في حكم المحكمة الإداريّة التي قضت مع ذلك ابتدائيّا واستئنافيّا بتفعيل التعدّديّة النقابيّة وذلك بتاريخ 05 فيفري 2019..

يمكننا القول إنّ غياب هذه "التعدّديّة" قد أنتج <<وعيا نقابيًّا مقلوبًا<< !!!..

 لقد بات قطاع واسع من الأُجَراء (القواعد) يتوهّمون أنّ شكل التّعامل المثالي مع "الآخرين" هو عين ما تفعلُه القيادات المركزيّة والفرعيّة !..

معظمهم يرى عظائم "أخطائها" صغائر لأنّهم يفكّرون ويتحرّكون بوازعٍ من عقدة الاضطهاد وشعور عميق ب"المظلوميّة" يجعلُهم يرَون في "ممثّلهم التاريخي الوحيد" طوق نجاة في ظلّ تغوّل رأس المال والتحالف المقدّس بين رجال السياسة والاقتصاد، فمهما أخطأ ممثّلهم وحاد عن الطّريق وانحرف يبقى ذلك "الضعيف" الّذي عليه أن يحارب من أجل البقاء، ليتحوّل "الشذوذ" في الممارسة إلى ممارسة بديهيّة لحقّ الدفاع الشرعي عن النفس..

وما يؤكّد نوازع هذا الاصطفاف الميكانيكي لدى "القواعد" هو التأييد الواسع لنوايا التثبيت والتمديد من خلال تنقيح القانون الأساسي للمنظّمة (الفصل 20 أساسًا) بما يسمح لقيادات الصفّ الأوّل -أو الحرس القديم- بالبقاء لأكثر من عهدتين !..

 ربّما نحتاج هنا إلى استدعاء نظريّة "مثلّث الاحتيال" للأمريكي "دونالد كريسي" التي تحصر عومل "الإجرام" كفعل أصلي أو كمشاركة في ثلاثة عناصر أساسيّة وهي :

الاضطرار (الأجير يرى نفسه مجبرا على دعم القيادات النقابيّة مهما أخطأت).

منطق انتهاز الفرص (إمكانية الخطأ دون التعرّض لعقوبة).

العقلنة (منطق تبرير الأخطاء والتهوين منها).

 وما يعزّز هذا الفهم المغلوط والتمثّل المعطوب لمقتضيات العمل النقابي هو الجهل والحاجة الفطريّة إلى "الاعتراف" وضمور "العقل النقدي المعياري" !..

 فاتّحاد الشغل هو الشّرفة الوحيدة الّتي يُطلّ من خلالها "الأجراء" على سراب "العدالة الاجتماعيّة"، إنّهُ ضميرُهم.. لكنّه << ضميرُهم المشوّه<< !!!..

وعندما لا ترى عصابة ساحة محمد علي لا في وينو البترول ولا في "الكامور" ولا في جبهة الرفض الحدّي لل"أليكا"(ALECA) النسخة الجديدة/المحيّنة من الاحتلال الأجنبي المباشر وعندما يُعرب اتّحاد الأعراف عن تضامنه الكامل مع اتّحاد الشغل أمام "الحملة المسعورة" الّتي يتعرّض لها فلابدّ أن تنتهي إلى نتيجة مفادها أنّنا أمام قفازات مخمليّة تتحرّك أفُقيّا لخنق كلّ نفس تحرّري حقيقي وخدمة "الطّموح البورجوازي"وإسناد "النظام الكمبرادوري"،  والأدهى والأمَر أنّ اتّحاد الشغل هو أيضًا وبالتّبِعة ظهير إيديولوجي وسياسي للأحزاب "الديمقراطيّة/الاجتماعيّة" و"الحداثيّة/التقدّميّة" بيسارَيها الماركسي والعروبي ويمينها الليبرالي، لذلك لا يمكن للفخفاخ ولا لعبّو مهما أبليا بلاءً حسنا في مقاومة الفاسدين أن يقتربا من وَكر المركزيّة النقابيّة باعتبارها في رمزيّتها "خزّانا انتخابيًّا استراتيجيًّا" فضلا عن كونها جبهة متقدّمة لردّ "الخطر الإسلامي" أو "المحافظ"، وعليه فإنّ "الكارتيل النقابي" الّذي يثوده الطبّوبي ليس مجرّد قوّة احتجاج من الطبيعي أن تهادنها السلطة وتسترضيَها مراعاةً للمصلحة الوطنيّة العليا!..
فضلًا عن ذلك يُمثِّل الاتّحاد قلعة من قلاع الفساد المنيعة في هذه البلاد والقلاع الحصينة إمّا أن تُؤتى من الداخل أي بانقلاب ناعم يبدأ بالانسلاخات الفرديّة لينتهيَ بحركة تصحيحيّة تعدّل بوصلة العمل النّقابي،، أو بتفجيرها من الخارج عبر تشريعات تفتح الباب للتّعدّديّة النّقابيّة ولو أنّ التغيير لا يبدو متيسِّرًا بعيدًا عن سياق ثوري يؤمِّن مساءلة جذريّة لمنظّمة تعقّدت شبكات التمعّش والنفوذ داخلها ليصبح الارتباط المصلحي بين قياداتها العليا والوسطى ارتباطًا عُضويًّا عَصيًّا عن الفضّ والفك، فمصالحهُم متقاطِعة وسوابقُهُم واحدة والأهمّ من كلّ ذلك هو مصيرُهم الواحد فإن كان إفلاتا فقد نجا الجميع وإن كان عقابًا فقد غرِق الجميع، فهُم بهذا المعنى يُدركون أنّ خطرا وجوديًّا يتهدّدُهُم ، خطرًا فرضه وصولهم إلى نقطة اللاعودة حيث لا حلّ أمامهُم سوى الهروب .. الهروب إلى الأمااام..

فالأمر بات أشبه بذلك الإسناد الّذي يوفّره رجال الأعمال الفاسدون لنظام استبدادي حرصًا على بقائه لأنّ إسقاطَه يساوي موتًا أو سجنًا أو نقصًا في الأموال والحظوة والوجاهة !..

قصارى القول ..

اتّحاد الشغل ليس مجرّد ملف فساد معقّد قابل للمعالجة متى توفّرت الإرادة السياسيّة، إنّهُ "دُوَيلة فساد" تحتاج إلى "إرادة شعبيّة" لتفكيكها !!!!!!!!!..

المصدر صفحة صابر النفزاوي على الفايسبوك
أحدث أقدم