حرّمها صدّام واكتشف القذّافي أصولها “الإفريقية”.. ما سر العداء التاريخي بين الزعماء العرب والمياه الغازية؟
تونس- هل تفضّل المشروبات الغازية على المرطّبات الأخرى؟ لا بأس.. فهناك الملايين يفعلون ذلك في العالم. لكن مهلا! لا نسعى في هذا التقرير للترويج لمنتجات بيبسي أو كوكا كولا أو غيرها، بل للكشف عن سبب “العداء التاريخي” لعدد من الزعماء العرب مع مشروب دخل العالم العربي منذ حوالي قرن ونصف، وبات جزءا من الحياة اليومية لعدد كبير من سكانه.
عرف العالم العربي المياه الغازية منذ 140 عاما عبر شركة “حمود بوعلام” التي تأسست عام 1878 من قبل يوسف حمود في الحي الشعبي بلوزداد (بلكور سابقا) في الجزائر العاصمة، قبل أن تبدأ الانتشار في عدد من دول العالم، حيث حصل المشروب الذي تعدّه الشركة على الميدالية الذهبية كأحسن مشروب غازي في العالم في معرض باريس الدولي عام 1889.
غير أن انتشار “حمود بوعلام” بقي محصورا في الجزائر وبعض الدول الغربية التي تضم جالية جزائرية، في حين حققت شركتا “كوكا كولا” و”بيبسي” انتشارا واسعا داخل العالم العربي، منذ عام 1944، وهو تاريخ تأسيس أول مصنع لتعبئة “كوكا كولا” في حي الدقي بمدينة الجيزة المصرية، والذي تبعه تأسيس مصانع أخرى في كل من السعودية والعراق في خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تنتشر لاحقا في جميع الدول العربية.
عبد الناصر ومصر كولا
ورغم أن المشروبات الغازية باتت تزاحم المشروبات التقليدية على موائد العرب، إلا أنها قُوبلت بموجة عداء كبيرة من قبل بعض الزعماء، حيث اعتبرها البعض غزوا ثقافيا أو “مؤامرة غربية” ضد العرب، فيما عمل آخرون على إيجاد “نسخة محلية” من “كوكا كولا” و”بيبسي” متاحة للشعب وبسعر رخيص.
في مقال له بمجلة “الوعي العربي”، يقول يحيى حسين عبد الهادي، مؤسس الحركة المدنية الديمقراطية في مصر “كُنَّا طلبةً في الكلية الفنية العسكرية في منتصف السبعينات. جَنَح الدكتور الخارجي المنتدب عن موضوع المحاضرة وحَكَى كيف حَرَمَ عبدُ الناصر الشعبَ المصري من نعمة أن يشرب البيبسي كولا بمذاقها الأصلي ككل شعوب الأرض (…) نسيتُ هذه القصة المُجتَزَأَة في سياق الهجوم على جمال عبد الناصر (…) بعد ذلك بحوالي عشرين عاماً، استمعت إلى تكملة القصة. أثناء مناقشة دراسة مقدمة من أحد العاملين بشركة الأهرام للمشروبات.
وروى المهندس عادل الشهاوي رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية وأحد أعضاء لجنة المناقشة القصة التالية: “كانت شركة الكولا المصرية تسدد للشركة الأمريكية الأم مبلغاً سنوياً مقابل الاسم التجاري والحصول على الخلطة السرية”.
ويضيف عبد الهادي، نقلا عن الشهاوي “وفي بداية الستينات فوجئنا بالشركة الأمريكية تطلب زيادة المبلغ بمقدار 50 ألف دولار (…) كنتُ خريجاً حديثاً وأعمل في سكرتارية رئيس هيئة الصناعات الغذائية، عندما تم استدعاؤه ليشرح الموضوع لعبد الناصر، فذهبتُ معه حاملاً الأوراق والتفاصيل، فإذا بي أدخل معه إلى مكتب الرئيس جمال عبد الناصر. بعد أن استمع عبد الناصر للشرح ابتسم وقال لرئيس الهيئة “مش حرام نقتطع من المصريين ونعطي للأمريكان علشان شوية مَيَّة وسُكَّر بدلاً من استخدامها في بناء مصنع؟ ألا يستطيع مهندسونا الزراعيون تصنيع مشروبٍ بديل كالذي نشربه في بيوتنا”، فأجابه “يستطيعون بالتأكيد وفي أقل من ستة شهور”، رد عبد الناصر بحسمٍ “إذن أبلغ الأمريكان بأننا لن ندفع الزيادة ولا المبلغ السنوي ولن نأخذ خلطة الكولا”.
ويتابع بقوله “بعد ستة شهور ظهر في الأسواق المصرية سيكو برتقال وسيكو أفندي وسيكو ليمون ثم مشروب مصري بطعم الكولا وباسمٍ تجاري مصري (مصر كولا) وأصبح اسم الشركة “الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات”، تراجع الأمريكيون فوراً عن طلب الزيادة وطلبوا استمرار التعاون بالشروط القديمة، وقوبل طلبهم بالرفض”.
صدام يكره البيبسي!
في كتابها “حفيدة صدام” تروي حرير حسين كامل حادثة صغيرة حول غضب جدها، الرئيس الراحل، بعد معرفته باستهلاك العائلة لمشروب “البيبسي” رغم منعه من قبل النظام العراقي آنذاك.
تقول كامل في مقدمة الكتاب “جاء إبراهيم (أحد العاملين في قصر صدام) راكضا منفعلا ونحن جالسون حول مائدة الغداء، وصرخ بصوته المشروخ المميز “وصل عمنا الريس”. وكأن قنبلة ألقيت بيننا. نهضنا جميعا على الفور لنتدارك ما يمكن تداركه قبل وصول الرئيس (…) قمنا بإخفاء آثار الجريمة (في إشارة لمشروب البيبسي) وآثارها عن الطاولة كيفما اتفق، ولكن بسرعة وإتقان مثل كل مرة. النقطة الوحيدة هي أن الوقت لم يكن كافيا. وبالفعل ثوانٍ قليلة وأطل جدي”.
وتضيف “كانت إحدى أقوى مواهب جدي المذهلة هي قدرته على قراءة لغة الجسد، وفراسته في قراءة الوجوه. بدأت نظراته تتنقل بين وجوهنا بهدوء شديد وبطء. حتما سننكشف. ولكن جدي جلس إلى الطاولة بهدوء، ما جعلني أعتقد أن الأمر قد مر على خير. بدأنا نتبادل أطراف الحديث بشكل اعتيادي (… ثم فجأة وبلا مقدمات، أمسكت يد صدام حسين إحدى الكؤوس البلورية، وأخذ يحركها يمينا ويسارا، ثم قلب الكأس. ورويدا رويدا كانت قطرة “البيبسي” الوحيدة في قعر الكأس تتحرك إلى الأسفل بفعل الجاذبية”.
وتتابع بقولها “قال جدي صدام بصوته المميز: هكذا إذا! عندما أصدر قرارا فعائلة صدام حسين يجب أن تكون أول الملتزمين به. من العيب أن يمنع صدام “البيبسي” عن الشعب العراقي. ثم يكون حاضرا على مائدة صدام حسين” ثم أكمل طعامه بهدوء. قاعدة جدي الأولى كانت تقول إن كل ما يمر به الشعب العراقي علينا أن نعيشه، ولا توجد استثناءات في ذلك، حتى لو كانت علبة البيبسي”.
القذافي يكتشف أصول كوكا كولا
وحين الحديث عن علاقة المياه الغازية بالزعماء العرب، لا يمكن تجاهل الخطاب الشهير للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، في غينيا عام 2007، والذي دعا فيه إلى إقامة “ولايات متحدة إفريقية”.
وخلال حديثه إلى حشود غفيرة من الأفارقة، قال القذافي “هل تعرفون بيبسي كولا؟ هل تعرفون كوكا كولا؟ يقولون هذا مشروب أمريكي وأوروبي. وهذا غير صحيح. الكولا إفريقية. أخذت منا مادة خام رخيصة، وبيعت لنا بثمن غال. يجب أن نصنعها نحن ونبيعها لهم!”.
غير أن خطاب القذافي المعادي للمشروبات الغازية الأمريكية، لم يمنع أبناءه من الصراع على احتكار توزيع مشروب “كوكا كولا” في البلاد، وفق وثائق نشرها موقع ويكيليكس.
وتشير بعض المصادر إلى أن الدول العربية قررت عقب نكسة حزيران عام 1967 منع بيع منتجات “كوكا كولا”، بعدما رفضت الشركة بيع منتجاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما قررت بعض الدول كتونس مثلا (خلال حكم زين العابدين بن علي) منع بيع منتجات “بيبسي” لأسباب عدة، من بينها رفض الشركة تقاسم حصتها مع عائلة زوجة بن علي، ليلى الطرابلسي.