"الهجن" في قطر.. رحلة مشوقة من الترويض إلى السباق

"الهجن" في قطر.. رحلة مشوقة من الترويض إلى السباق


"الهجن" في قطر.. رحلة مشوقة من الترويض إلى السباق


حربوشة نيوز

بحماسة كبيرة يمتطي "المُضمر" (المدرب) سيارة وبجانبه سائق ماهر، في رحلته للتحدث مع ناقته عبر اللاسلكي حتى تسرع أكثر، وتجلب لصاحبها جوائز كبرى.

تحمل ناقة السباق فوقها "إنسانا آليا"، عبارة عن أداة للتواصل بين الناقة وصاحبها، يقوم من خلاله بالضرب أو التحدث إليها لتفعل ما يريد.

على مدار 12 يوما، تسيد ذلك المشهد "مهرجان المؤسس 2020"، أحد سباقات الهجن (الإبل) المعروفة في قطر والخليج، وتقوم عليه "اللجنة المنظمة لسباق الهجن" القطرية، وهو أولى مهرجانات السباقات للموسم 2020-2021.

فبموازاة التطور الحضاري والعمراني الذي تشهده قطر، تشجع الدولة المواطنين على حماية الرياضات التقليدية والتراثية، ومنها سباقات "الهجن".

ورغم تغير طبيعة الحياة في دول الخليج، إلا أنه يوجد اهتمام بتراثها وارتباط بماضيها، فما زالت مرتبطة مثلا بالإبل ورياضتها.

وترتبط دول الخليج بعلاقة تاريخية مع الإبل، حيث كانت أفضل وسيلة للنقل في البيئة الصحراوية.

كما كانت في أيام العرب الأوائل مصدرا للرزق ومظهرا للثراء ومَهرا للعروس ودية عن القتيل، وجائزة للفائزين.

وأطلقوا عليها اسم "سفينة الصحراء"، وقد ذُكرت في أدبياتهم وأشعارهم وتاريخهم، مع وصفها بالجمال وتشبيه النساء بها.

** رياضة الآباء والأجداد

قال مبارك النعيمي، مدير السباقات والأنشطة باللجنة المنظمة لسباق الهجن في قطر، للأناضول، إن "هذه الرياضة بالنسبة لنا هي رياضة الآباء والأجداد، ومنذ نشأتنا ونحن نرى الاهتمام بهذه الرياضة التراثية من آبائنا منذ بداية السبعينيات".

وأضاف: "أنا في صغري كنت أرى تلك السباقات البدائية، والتي كانت تخلو من نقط البداية ولا سياج ولا أي شيء، كانت فقط أرض خالية وكبار السن يمتطون الإبل، وكنت أرى عمي أحد المتسابقين فيها".

وتابع: "بعد السبعينات بدأت الحكومة تولي اهتماما بالغا وإضفاء الرسمية على تلك السباقات، وكان الجميع يخرج فائزا فيها، فالجميع كان يحصل على الجوائز من باب التشجيع".

وأردف: "تغيرت ميادين السباق أكثر من مرة حتى وصلت اليوم إلى ميدان الشيحانية، الذي تُقام فيه كل سباقات الهجن في قطر، ويمتلك مقومات كبيرة".

وحول أنواع الهجن، قال النعيمي "يوجد في قطر نوعان من الهجن، النوع الأول: الهجن القطرية (العمانية) وتتميز بقوة جسمها وقدرتها على التحمل، والنوع الثاني الهجن التى جُلبت من السودان عن طريق السعودية، وتتميز بخفة الحركة والسرعة."

** راكب آلي

وفق النعيمي، فإن "مسافات السباق شهدت تغيرات أيضا، حيث كانت مسافة السباق في الفترات الأولى 16 كيلو متر، وقلت إلى عشرة كيلو مترات، ولكن كانت الهجن تتعب تعبا شديدا."

ولفت إلى أنه "في البداية كان الأطفال يركبون الهجن في السباقات، لكن رأوا فيها المخاطر على الطفل من السقوط، فجاءت فكرة الإنسان الآلي والذي يقوم بمهام القائد، وتطور حتى وصل بشكله الحالي."

وأفاد بأن "قطر هي أول دولة اقترحت الإنسان الآلي في سباقات الهجن، وانطلقت منها إلى الدول الخليجية الأخرى، وكان هناك مصنعا صغيرا لهذا الأمر، وقام عليه القطريون."

وأوضح أن الإنسان الآلي هو "جهاز يشبه الدريل يحرك العصا، ويتحكم بالسرعة وعدد الضربات (للجمل)، وبه سماعة يصل بها صوت المُضمر للناقة."

وتابع: "يتم تثبيت الراكب الآلي على ظهر الجمل مع احتفاظه بنوع من سلاسة الحركة يتناسب مع سرعة الجمل، إضافة إلى وجود جهاز يسمح لصاحب الجمل بتوجيه الأوامر إلكترونيا للجمل وراكبه الآلي."

** مراحل تدريبية

وحول تحضير الهجن للسباق، قال النعيمي إنها تبدأ من منذ ولادته، ففي السنة الأولى يكون في رعاية أمه، ويُطلق عليه اسم "حِوار"، والسنة التالي يكون اسمه "مفرود"، وهي مسميات تتعلق بسن الإبل.

وأوضح أنه "في سن مفرود، يبدأ الإبل في التعود على وجود الخطام، وهي الحبل الذي يُربط في رأسه وعنقه."

واستطرد: "يبدأ تعليمه الجري من سن السنتين، لتحضيره لسباقات العام المقبل، حيث يبدأ بالتدريب بداية من مسافة ٥٠٠ متر، وبعد ٣ شهور يبدأ تركيب الإنسان الآلي حتى يشعر دائما بأن هناك شيئا فوق ظهره."

وأردف: كما "يتم تركه لوحده حتى يتعود على السباق دون صاحبه ولا يرجع للخلف، ويتم تدريبه عشرات المرات، وتطلق على هذه المرحلة من التدريب التشريد".

وزاد: "ثم تبدأ مرحلة التفحيم، وهي التدريب الرئيسي على المسافات الطويلة، وتكون في العادة كيلو أو ٢ كيلو. ويتم عمل سباق لتلك الهجن الصغيرة في أغسطس (آب) بعد الفجر حيث يكون الجو جيدا، فهجن السباق تتعب من الجو الحار."

وقال إن "الهجن يملك إحساسا وذكاءً كبيرين، فتستطيع أن تعرف صاحبها من مسافات بعيدة، وتعدو نحوه مطلقة صوتها المعتاد الذي (هو) أشبه ما يكون بعبارات ترحيبية، وتقترب منه وتحك رأسها بجسمه وتشتم رائحته".

** سباقات عالمية

محمد خالد العطية هو مُضمر ومالك للهجن، فازت ناقته في أحد الأشواط، وحازت جائزة كبيرة.

العطية قال للأناضول إن "الإبل عاشت مع الأسلاف والأجداد، وكانت وسيلة العيش والتنقل والتواصل، وكان الود بينهما كبيرا".

وأضاف أن "الدولة في قطر أولت اهتماما بالغا بتلك الرياضة التراثية، حتى أصبحت اليوم عالمية ومعروفة لدى الجميع".

وحول هجن السباقات، قال العطية إن "الهجن التي تشارك في السباقات ليست أي هجن شاردة بالصحراء وتأتي لتسابق، بل هي هجن (خضعت لـ) ثلاث سنوات تحت التدريب".

وتابع: "تدخل الهجن عالم التضمير والتدريب، ثم عالم السباق، حيث يتم تلييقها جسمانية (إعدادها بدنيا)، وتشارك في مشاركات أولى وثانية حتى تعطي النتيجة القوية."

** اسم وهوية

أما جار الله عقيل المري، وهو أيضا مُضمر ومالك للهجن وأحد الفائزين في سباقات، فقال للأناضول، إنه "لكل إبل مشاركة في السباقات اسم وهوية، وكل هجن بها شريحة تسجل فيها كل بياناتها ويتم التعرف عليها من خلال كود رقمي".

وأفاد أيضا بـ"وجود الوسم، وهذا عادة من قديم الزمان، والتي يُعرف من خلالها صاحبها (مالك الهجن)، فلا يقترب منها أحد".

وأضاف: "كسبت في شوطين، وحصلت على سيارات كمركز أول، والمراكز الأخرى يحصلون على جوائز نقدية."

وأوضح: "تكون نوع سيارة الفائز حسب نوع الهجن المشاركة في السباق من النخب والنوعيات القوية أو الفئات السنية".

وتابع: "لكل شوط سن، فلا يصلح أن تشارك هجن من سن مختلفة أو جنس مختلف في نفس السباق."

وقال المري إن "الهجن تعرفنا ونعرفها وتعودت علينا، نتحدث إليها وتسمعنا، ولا تضربها في البداية، ودائما تتحدث معها كي تنتبه وتركز في السباق".

وأردف: "لكل هجن طبيعية على أساسها يتحدث صاحبها معها، ويعرف صاحبها منذ بداية السباق كيف وضعها من خلال عينيها ونشاطها وتركيزها، وتعرف من البداية هل هي اليوم ستكسب أم فهي ترسل رسائل إلى صاحبها، لأني أعرف مستواها."

** قواعد معروفة

وبحكم أنها رياضة معتمدة في دول الخليج، فلسباقات الهجن قواعد وقوانين يعرفها المالك وتُروض الناقة عليها، من خلال أشواط وتصفيات.

ومن قواعد السباق، مبدأ التكافؤ في الأنواع والأعمار، حيث تكون هناك أشواط مستقلة لفئة النوق وأخرى للجمال، ويجب أن تتساوى الأعمار، لتتساوى الفرص بين المتسابقين.

وإلى حد كبير، تتشابه ميادين سباقات الهجن وميادين سباقات الخيول، وعادة ما تكون ميادين الهجن بيضاوية الشكل أو دائرية.

وتتراوح أطوال السباق بين 8 كلم و22 كلم، ويُزود الميدان بأجهزة متابعة متطورة ودقيقة تثبت عند خط النهاية أمام المنصة الرئيسية، لتصوير الهجن في اللحظات الحاسمة وتحديد الفائز بالسباق، الذي غالبا لا يتعدى دورة واحدة.

** ساحات متخصصة

أعدت دول الخليج ساحات متخصصة لتلك السباقات، أبرزها "ساحة الشيحانية" في قطر، وهي تتمتع بإمكانات كبيرة لترويض الهجن وإقامة السباقات سنويا، إضافة إلى إضاءة المضمار (مكان السباق) بشكل كامل ليلا.

وأقيم أول سباق هجن في قطر عام 1973، وشارك فيه 300 من الهجن.

وتنظم سباقات الهجن في دول الخليج بشكل دائم ومنتظم، وتقدم فيها جوائز كبيرة لتشجيع ملاك الإبل على الحفاظ على هذا التراث.

ولا تهتم هذه السباقات بسرعة الجمال وسلالتها فقط، وإنما تهتم أيضا بجمالها والعناية بها.

وتعد سباقات الهجن تحفيزا على تربية الإبل وحمايتها من الانقراض، نظرا لقيمة الجوائز التي ينالها الفائزون.

الأناضول

أحدث أقدم