بعد انقضاء آجال اليمين الدستورية... أي مصير لحكومة هشام المشيشي؟

بعد انقضاء آجال اليمين الدستورية... أي مصير لحكومة هشام المشيشي؟


تونس ، الرئيس التونسي قيس سعيد ، هشام المشيشي، التحوير الوزاري، أداء اليمين، الإجراء المستحيل،  حربوشة نيوز


وضع تمسك الرئيس التونسي، قيس سعيد، رفض التحوير الوزاري حكومة، هشام المشيشي، في مأزق حقيقي، فلا الوزراء الجدد بإمكانهم مباشرة مهامهم دون أداء اليمين الدستورية ولا الوزراء القدامى بمقدورهم العودة إلى مناصبهم بعد أن صدر قرار إقالتهم.

وكان رئيس الحكومة، صرّح أنه راسل رئيس الجمهورية لتحديد موعد أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد الذين حصلوا على ثقة البرلمان منذ جلسة 26 يناير/ كانون الثاني 2021، مؤكدا أنه لم يتلقَ أي مبررات تفسر رفض رئيس الدولة للتحوير الوزاري، وأن هذا التأخر عطل دواليب الدولة.

وضعٌ فتح مصير الحكومة على عدة فرضيات، إما أن يمضي المشيشي في تسمية الوزراء متجاوزا الشرط الدستوري مسنودا بدعم حزامه البرلماني ممثلا أساسا في حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس، وهو ما سيفتح عليه النار من المعارضة البرلمانية وحتى من الشارع، وإما أن يتنازل أمام رئيس الجمهورية بإبعاد أسماء الوزراء المرفوضين من قصر قرطاج عن طريق إعفائهم أو تعففهم.

أما الخيار الثالث فهو استقالة رئيس الحكومة أو سحب الثقة منه برلمانيا، والاتفاق على شخصية توافقية قادرة على تجميع 109 أصوات التي ستضمن مرور حكومته عبر مجلس نواب الشعب، وهو خيار قد يضع الأغلبية البرلمانية في مواجهة سيناريو عودة المبادرة إلى رئيس الجمهورية في حال قدم المشيشي استقالته، كما حدث مع حكومة إلياس الفخفاخ.

أما الخيار الرابع والأخير، فهو أن يتراجع رئيس الجمهورية قيس سعيد عن قراره برفض أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد، وهو خيار مستبعد بالنظر إلى التصريحات الحاسمة التي أدلى بها الرئيس التونسي في هذا الصدد بوصفه الحامي لمبادئ الدستور.

الحل في التنازل

ويرى المحلل السياسي جلال الأخضر في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "رفض الرئيس التونسي قبول أداء الوزراء الجدد لليمين الدستورية وضع الحكومة أمام خيار دستوري صعب، وهو إعطاء الإذن لفريقه الوزاري الجديد بمباشرة مهامهم دون أداء القسم أمام رئيس الدولة".

وشدد على أن "هذا الخيار يطرح إشكالا قانونيا، وهو أن كل الاجراءات التي سيتخذها هؤلاء الوزراء ستكون محل متابعة أمام المحكمة الإدارية ولا يمكن اعتبارها سارية المفعول".

وأضاف أن "القراءة الدستورية الثانية تقر باستحالة مرور الوزراء إلى مباشرة مهامهم دون أداء اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، رغم نيلهم ثقة أغلبية البرلمان".

واعتبر الأخضر أن

"الصراع بين الرئاستيْن أفضى إلى أفق مسدود، قائلا إن المخرج من هذه الأزمة يكمن في التنازل، عن طريق الأخذ برأي الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اقترح أن يتخلى الوزراء الأربعة الذين تعلقت بهم شبهات فساد وتضارب مصالح عن تسميتهم من تلقاء أنفسهم، وأن يتم تعويضهم بوزراء آخرين يتم عرضهم على البرلمان ثم يؤدون القسم أمام رئيس الجمهورية مع الوزراء السبعة ومن ثمة يباشرون مهامهم".

وتابع "ولكن للأسف المؤشرات القادمة من قصر قرطاج سلبية، فرئيس الجمهورية لم يرفع الفيتو فقط على الوزراء الأربعة ممن تعلقت بهم شبهات تضارب مصالح وفساد، وإنما هو رافض للتحوير الوزاري برمته الذي يصفه باللاقانوني على اعتبار أنه شمل تغييرا في طبيعة الحكومة لا في تركيبتها فقط".

الإجراء المستحيل

من جانبها، أشارت أستاذة القانون الدستوري منى كريم في حديثها لـ"سبوتنيك"، إلى "وجود حل قانوني يتمثل في اعتماد الإجراء المستحيل، وهو أن يتخطى رئيس الحكومة مسألة أداء اليمين الدستورية ويسمّي الوزراء الجدد اعتمادا على الأوامر الحكومية".

وأضاف: "وإن كان هذا الحل القانوني سيخرجنا وقتيا من هذا المأزق الدستوري، فإنه سيعمق في المقابل الأزمة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة".

وقالت كريم:

و"من المفروض أن يكون هناك انسجام بين رأسي السلطة التنفيذية خلافا للأزمة الحادة التي تعيش على وقعها البلاد اليوم، معتبرة أن الحل الأنجع يتمثل في الحوار".

ودعت أستاذة القانون الدستوري رئيس الجمهورية أن يمد رئيس الحكومة بقائمة الأسماء التي يتحفظ عليها وأن يقوم رئيس الحكومة بتغييرهم واقتراح أسماء أخرى ليس عليها شبهات فساد أو مشاكل قضائية أو قضايا جارية.

وشددت كريم على أن "الأزمة ليست قانونية وإنما هي بالأساس أزمة سياسية، يمتلك حلها إحدى الطرفين".

استقالة الحكومة

وقال المحلل السياسي فريد العبيدي لـ"سبوتنيك"، إنه لا يمكن حل أزمة اليمين الدستورية اعتمادا على فرضية تراجع رئيس الجمهورية، معتبرا أن هذا الخيار شبه مستحيل بالنظر إلى اصرار قيس سعيد على موقفه في الدفاع عن مبادئ الدستور.

ويرجّح العبيدي أن يصر رئيس الدولة على موقفه من التحوير الوزاري خاصة في علاقة بالوزراء الذين تحوم حولهم شبهات فساد وتضارب مصالح.

وتابع:

"لم يعد بمقدور رئيس الحكومة وقد تورط مع حركة النهضة أن يتراجع خطوة إلى الوراء، لذلك فإنه من المرجح أن تجبر حكومته في الأخير على إخلاء الساحة السياسية والاستقالة، خاصة إذا ما تواصلت التحركات الاحتجاجية التي جوبهت بالقمع، والتي رفعت فيها مطالب اجتماعية تندد بالخيارات التنموية للحكومات الليبرالية الإسلاموية المتعاقبة، وأخرى سياسية تطالب بتغيير المنظومة الحاكمة".

واعتبر العبيدي أن "الأزمة الحاصلة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية هي أزمة سياسية بالأساس، مردّهانقض المشيشي للميثاق الذي أخذه على عاتقه في علاقة برئيس الدولة من ناحية، وإسراعه في الارتماء في أحضان الترويكا البرلمانية ممثلة في حركة النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس من ناحية أخرى، وتراجعه عن وعده في أن تكون حكومته حكومة تكنوقراط بعيدة عن الأحزاب".

وشدد "هذا الصراع الذي نشأ عبر التناقض بين الرئاسيتين والتنازع حول الصلاحيات، غذاه رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي سبق أن فعل ذلك مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عندما جلس إلى صفه رئيس الحكومة يوسف الشاهد".

العودة إلى الصناديق

على الجانب الآخر، يرى النقابي والمحلل السياسي مختار بوبكر في تصريح لـ"سبوتنيك"، أنه "لا مخرج من هذه الأزمة الدستورية والسياسية خارج دائرة تغيير النظام السياسي والانتخابي القائم".

وأضاف أن

"المنظومة السياسية الحاكمة وصلت إلى خط النهاية، وأن الأفضل هو العودة إلى حكم الشعب وإلى الصناديق وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها"، مقترحا أن "يتم تشكيل لجنة تكلف بتنقيح القانون الانتخابي حتى يكون الانتخاب ضمن دوائر فردية وعلى دورتين".

وقال إن "هذا المخرج سيحل الإشكال القائم في السلطة التي ستصبح بيد الحزب الفائز بأغلبية أصوات الناخبين"، معتبرا أن "الفسيفساء الحزبية الحالية لم تمكن أي طرف سياسي من الحكم بصورة طبيعية تضمن الاستقرار".

واعتبر مختار بوبكر أن "سبب الأزمة السياسية هو أن الفاعلين في المشهد ليس لديهم حاضنة شعبية حقيقية"، مضيفا: "استطلاعات الرأي أظهرت أن الحزب الذي لديه 41%من نوايا التصويت لا تزن كتلته البرلمانيةسوى 10%من البرلمان الحالي، وأن الكتلة صاحبة الأغلبية البرلمانية التي تمثل حوالي 30%من البرلمان لا تزن في استطلاعات الرأس سوى 15%، وبالتالي فإن السلطة التشريعية اليوم غير متطابقة مع نوايا الأوساط الشعبية".

سبوتنيك

أحدث أقدم