الجزائر.. هل تقبل الحكومة بحوار جدي ومتكافئ مع الحراك؟

الجزائر.. هل تقبل الحكومة بحوار جدي ومتكافئ مع الحراك؟

الجزائر,ا لحراك السلمي, جائحة كورونا, بوتفليقة, صالح, الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون, قائد صالح, مجموعة الأزمات, حربوشة أخبار
الجزائر-الحكومة-و-الحراك؟


قدمت المجموعة الدولية للأزمات تقريرا للحكومة الجزائرية توصيها فيه بالحوار
مع الحراك، وذلك تجنبا لتصاعد الأزمة الاقتصادية لاسيما في ظل التضييقات 
مع تفشي جائحة كورونا في البلاد، فهل تجلس الحكومة مع الحراك إلى الطاولة؟

دفعت التحديات الجديدة التي تواجهها الجزائر "مجموعة الأزمات الدولية" إلى الخروج في تقرير جديد يوصي الحكومة والمعارضين بالجلوس إلى طاولة الحوار، وذلك في ظل التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن أزمة كوفيد–19 وإجراءات الحجر الصحي الرسمية التي اتخذتها البلاد.
التقرير ينصح الحكومة باستغلال ما أسماه "لحظة التضامن الوطني التي أوجدتها الجائحة" من خلال الاستجابة للاحتجاجات الشعبية بلمسة "أكثر خفة"، وذلك عن طريق اقتراح طرق محددة لتقليص التعرض لتقلبات أسعار النفط والغاز.
ورغم اتخاذ الحكومة الجزائرية لإجراءات طارئة فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، كما يذكر التقرير، إلا أنها أوقفت حالة التهدئة مع الحراك والتي ظلت سائدة منذ انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون في 12 كانون الأول/ديسمبر 2019، وكانت مصحوبة بعمليات قمع أمني ملحوظة، علاوة على مواجهة البلاد تحديات اقتصادية متزامنة مع الركود الاقتصادي العالمي وتدهور أسعار النفط، وآثار الحجر الصحي.
"ليس هناك نية للحوار"
يحاول التقرير الموازنة بين الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وطرق حلها، وبين مطالب المحتجين، وترى مجموعة الأزمات الدولية أنه على المدى القصير قد تضطر الحكومة الجزائرية للجوء إلى الديون الخارجية، وإحكام الإجراءات التقشفية، ولكن هذا قد يدفع لمزيد من توترات أكثر عدوانية مع المتظاهرين.
ولهذا تقترح المجموعة تنفيذ الوعود التي قطعها الرئيس الجزائري تبون بإحداث انفتاح سياسي، والتي يمكن أن تشمل، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإنهاء الرقابة على الإعلام ووضع حد للاعتقالات العشوائية، وتقديم مزيد من الدعم لشبكات المواطنين التي أنشأها قادة الحراك للمساعدة في محاربة الجائحة وتقليص آثارها الاجتماعية.
إلا أن خبير الشؤون الاستراتيجية الجزائري البروفيسور إسماعيل معراف يرى، في حديث مع DW عربية، أن الحكومة ليس لديها نية للحوار مع المتظاهرين، بسبب "غياب الإرادة السياسية للتغيير"، مشيرا إلى أن تغير النخبة الحاكمة، لم يغير "العقلية السياسية"، مشيرا إلى أن المتظاهرين ينظرون إلى تبون امتدادا لبو تفليقة، وبأنه لا فرق بينهما.
ويضيف الخبير الجزائري بأن التضييق والاعتقال والترهيب لازال مستمرا، فالحكومة لم تعطِ الحراك الثقة الكافية للدخول في أي حوار مستقبلي، وإمكانية التصالح مرتبطة في ملفات مهمة متعلقة بوقف إغلاق مكاتب العمل الحزبي والسياسي للمعارضين، وكذلك إلغاء التضييق على الإعلام، ولهذا يجد معراف أن "هذا الجو لا يسمح بالذهاب إلى حوار حقيقي جاد، ولولا الجائحة لتطور الحراك بشكل أكبر".
من جهة أخرى؛ فإن التقرير ليس متفائلا حول احتمالية حل الصراع فورا عن طريق الحوار السياسي، بيد أنه يتحدث عن إمكانية تحقيق مناقشة اقتصادية وطنية مستدامة وبعيدة المدى من خلال الجمع بين المجموعات السياسية الرائدة والنقابات والمنظمات، جنبا إلى جنب مع ممثلي الحكومة ورجال الأعمال الأكثر نفوذا في البلاد، بشكل يهدف إلى تحديد العقبات التي تعترض طريق الإصلاح الاقتصادي واقتراح حلول مقبولة.
غير أن الخبير الاستراتيجي معراف لا يتوقع إمكانية اجتماع جميع الأطراف إلى طاولة الحوار، إذ يرى أن النظام السياسي الحالي لم يفسح المجال للقوى المدنية لتقديم مقارباتها وأفكارها لتحقيق حلول في الأزمة الجزائرية، مضيفا أن "الحكومة لم تعط المجال للمواطنين للمشاركة في القرارات السياسية"، وإن استمر الوضع كما هو عليه فإن الأزمة ستصل إلى "حد كبير من الاحتقان".
"إصلاح اقتصادي محدود"
المطالبة بإصلاحات اقتصادية كان نواة الحراك في الجزائر، ولعل الخروج من الأزمة الحالية يتطلب حوارا يدرس سبل تحقيق توازن اقتصادي حقيقي، وفيما يقترح التقرير أن الجلوس إلى طاولة الحوار هو الطريق الأول لتحقيق هذا الأمر، فإن المختص في علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر نور الدين بكس يشدد على أن فكرة التصالح غير ممكنة، لأن الحكومة والحراك ليسا قوتين متساويتين، ما جعل الحكومة تفرض سيطرتها بشكل كبير.
ويضيف المختص إلى أن هناك كتلة من الحراك لا ترغب نهائيا في دخول مشاريع الحكومة، حتى لو قامت الأخيرة باستقطاب عدد من قادة الحراك خلال الانتخابات التشريعية القادمة؛ التي يطرحها النظام على أنها وسيلة لاستيعاب المعارضة.
ويشير الخبير إلى أن الاقتصاد الجزائري يعتمد على المحروقات وعلى المداخيل الريعية، وليس على مؤسسات كبيرة، ولهذا فإن "النظام يعي جيدا أن أي انفتاح اقتصادي سيؤدي إلى إضعافه وتقوية المعارضة"، وعليه فإن الحكومة سترفض استثمار اقتصادي قوي يمكن أن يضعف من شوكتها، وستفضل أن تقوم بتحسينات طفيفة لن تؤثر على وضعها السياسي وستُبقي على اقتصاد هش وغير متوازن وريعي، على حد تعبيره بكس.
من جهة أخرى فإن أزمة جائحة كورونا أضعفت الحراك وقللت من وتيرة عمله ، خاصة أنه لا يملك سوى الاحتجاج في الشارع، كما يرى بكس، ولهذا حينما ضربت أزمة الفيروس الجزائر فإن أهم وسيلة احتجاجية قد غابت عن العمل التظاهري، مضيفا أن الأزمة قللت من سقف توقعات المواطنين أيضا، ما يعني أن الطبقات العاملة التي فقدت الكثير من دخلها أثناء هذه الفترة، سوف ترضى بالإصلاحات القليلة جدا، وبالمقارنة مع المطالب في بداية الحراك، فإن ملاحقة الفاسدين وتقليل الفساد سوف يعتبره المواطنون إنجازا كبيرا، فيما ستطلب الحكومة منهم الصبر على القضايا الاقتصادية الأكبر.
سياسة التقشف بديلا عن الحوار
يتفق كلا من معراف وبكس على أن الحكومة لا ترغب في الجلوس إلى طاولة الحوار، والخوض في الإصلاحات الاقتصادية بالتعاون مع الحراك، إلا أن التقرير يرى في هذا الرفض الحكومي سببا قد يخلق أزمة تدفعها إلى مزيد من التقشف، حيث أن رفض مشاركة المحتجين في خلق صيغ إصلاحات، قد يضطرها للجوء إلى الدين الخارجي والتقشف في الموازنة، ولهذا فإن الحل "بتخفيف قبضتها على الحراك".


أحدث أقدم