سعيّد في ضيافة السيسي: المرض والدواء!

سعيّد في ضيافة السيسي: المرض والدواء!

سعيّد في ضيافة السيسي: المرض والدواء!،حربوشة نيوز


سافر الرئيس التونسي قيس سعيّد قاصدا مصر للقاء رئيسها عبد الفتاح السيسي وهو أمر محمود ومعتاد في الأحوال الاعتياديّة للدول كافّة، لكنّه، في الأوضاع التونسية الحاليّة يبدو محمّلا برسائل يصعب تجاهلها.

خلال مشاركته، صباح يوم الجمعة الماضي، بإحياء الذكرى 83 لعيد الشهداء، وقبيل توجّهه إلى القاهرة أطلق سعيّد تصريحا يقول فيه إن «تونس على فراش المرض، والطبيب يتوجّه للصيدلية ليحضر لها الدواء: أما الدواء فهو برلمان وطني محترم ووزارة كاملة مسؤولة».

لم يتوجّه الرئيس (أو الطبيب كما وصف نفسه) إلى صيدليّة العالم، ليختار زيارة بلد مثل فنلندا، التي دفعت أكلافا هائلة للنجاة من احتلال مروّع من هتلر وستالين، وتحوّلت إلى بلد متقّدم ديمقراطيا في العقود اللاحقة، أو كوريا الجنوبية التي كانت تخضع لحكم عسكريّ قبل عقود فتحوّلت إلى واحدة من البلدان الغنيّة والديمقراطية المؤثرة، أو ألمانيا التي خرجت محطّمة بعد الحرب الكونية لتحقق وحدة شعبها وتصبح القوّة الكبرى المؤثرة في الاتحاد الأوروبي.

«الصيدليّة» التي اختارها سعيّد كانت مصر التي انطلقت فيها ثورة سلميّة عظيمة تأثرا بثورة تونس عام 2011، وكان السيسي الذي يزوره الرئيس التونسي اليوم، هو الشخص الذي قاد، بدعم إقليمي عربيّ، وبحماس إسرائيلي، انقلابا عسكريا على «برلمان وطني محترم ووزارة كاملة مسؤولة» وسجن رئيسا منتخبا مثل سعيّد نفسه، مما أدى إلى وفاته مريضا في السجن.

ولتأكيد التوظيف المحلّي لزيارته الخارجية تابع سعيّد هجماته السياسية على خصومه في تونس من القاهرة، حيث تأسف «لانتقال تونس من الحزب الواحد، إلى اللوبي الواحد، لا سيما وأن رئيس الجمهورية منتخب من الشعب، وأن النظام والحكومة يفترض أنهما منبثقان عن الأغلبية» وأن «العقبات الموجودة هي من الداخل».

من نافل القول إن النظام الموجود حاليّا في مصر هو نقيض سياسيّ للنظام الموجود في تونس، وأن في زيارته، وخصوصا أثناء الأزمة السياسية الحاليّة في تونس، يشكّل إشارة غير محمودة من رئيس يقول إنه «منتخب من الشعب» ويقود إلى عكس المقصود منه.

من المقبول، في أجواء الصراع السياسي، أن يؤكد الرئيس على دوره الدستوري، وأن يرفض الافتئات على وظيفته، لكنّ كل الأحداث التي تلت تولّي سعيّد منصبه الرئاسيّ، تشير إلى رغبة بتخطّي المؤسسات الديمقراطية، من برلمان وحكومة، بعمله على تشكيل حكومة من رئيس وزراء ووزراء موالين له، ثم باعتراضه على أي وزير ليس موافقا عليه من قبله، وبردّه قرارات البرلمان، وكان آخرها يتعلق بإنشاء المحكمة الدستورية، بل وبالحديث علنا عن ضرورة تغيير النظام السياسي ليصبح رئاسيا، وهو أمر لا يعيد عقارب الساعة إلى أيام النظام الدكتاتوري، بل ويجهض أيضا كل إنجازات الثورة التونسية الديمقراطية.

تونس مريضة فعلا لكنّها تمتاز عن نظيراتها العربيّات بأن شعبها يمتلك حريات ناضل من أجلها عشرات السنوات، وبأن نظامها الديمقراطي هو الحلّ الوحيد الممكن لتمكينها من تجاوز أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، والدواء هو بتعزيز هذه الديمقراطية وبالتسويات السياسية بين مؤسسات الرئاسة والحكومة والبرلمان والقضاء والنقابات، وبالرقابة القوية من هذه المؤسسات إضافة إلى الإعلام، ليس بإعادة النظام الرئاسيّ وتعطيل البرلمان والحكومة، ولا باللجوء إلى بلد تحكمه نخب الجيش والمخابرات بالنار والحديد.

القدس العربي

أحدث أقدم