بعد رفض الرئيس المصادقة على قانونها.. ما مصير المحكمة الدستورية بتونس؟

بعد رفض الرئيس المصادقة على قانونها.. ما مصير المحكمة الدستورية بتونس؟

تونس، المحكمة الدستورية، الرئيس التونسي قيس سعيد، الغنوشي،  الدستور التونسي، حربوشة نيوز

أثار امتناع الرئيس التونسي قيس سعيد ختم مشروع قانون تنقيح المحكمة الدستورية ورده مجددا للبرلمان، ردود فعل متباينة بين الأوساط السياسية، بين من وصفها برغبة للرئيس في إطالة أمد الأزمة واحتكار تأويل الدستور، ومن اعتبره حقا كفله له دستور الجمهورية الثانية.

ومنذ نحو أسبوعين نجح البرلمان في المصادقة على جملة من التعديلات المتعلقة بتنقيح وإتمام القانون الأساسي الخاص بالمحكمة الدستورية بأغلبية 110 أصوات، في مسعى لتسهيل عملية انتخاب أعضائها وإرسائها في أقرب الآجال.

وبعد رفض سعيد ختم مشروع القانون وإعادته للبرلمان تستوجب المصادقة الجديدة على التنقيحات التصويت بأغلبية معززة أي 131 صوتا.

وينص الدستور التونسي على ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية في أجل أقصاه سنة من موعد الانتخابات التشريعية التي عقدت في 2014، غير أن الكتل البرلمانية لم تتمكن من انتخاب سوى عضو واحد (امرأة) في مارس/آذار 2018 من بين 4 أعضاء بسبب الخلافات والتجاذبات الحزبية.

وعلل الرئيس رفضه ختم مشروع قانون المحكمة الدستورية بجملة من الحجج القانونية أهمها تلك المتصلة بالآجال الدستورية لإرساء المحكمة، فضلا عن عناصر قانونية أخرى متصلة بما شهدته تونس منذ وضع الدستور إلى اليوم، وفق نص بيان الرئاسة.

وشدد رئيس الجمهورية "على ضرورة احترام كل أحكام الدستور بعيدا عن أي تأويل غير علمي بل وغير بريء".

تعطيل المحكمة الدستورية

واتهمت قيادات حزبية رئيس الجمهورية بسعيه نحو تعطيل إرساء المحكمة الدستورية "ليظل هو المحتكر الوحيد لتأويل الدستور"، واتهم القيادي في حركة النهضة سامي الطريقي رئيس الجمهورية بالسعي نحو إطالة أمد الأزمة السياسية في البلاد، وإظهار العداء لأي مشروع يصادق عليه البرلمان.

وتساءل الطريقي في حديثه للجزيرة نت عن جدوى الحوار الوطني الذي دعا له اتحاد الشغل تحت إشراف رئاسة الجمهورية، في ظل عدم وجود رغبة حقيقية منه للخروج من الأزمة السياسية وتصيد الفرص لمهاجمة البرلمان والتشكيك في النوايا.

واعتبر بالمقابل أن رد سعيد لمشروع القانون حق كفله له الدستور، لكن المؤاخذات تتعلق بالحجج التي قدمها في رسالته، مضيفا "النصوص القانونية تكتب لصياغة عقد اجتماعي لا أن يصبح العقد الاجتماعي معطل بسبب النصوص".

ودعا مستشار الغنوشي البرلمان أن "ينتفض لشرعيته ومشروعيته من خلال تصويته بأغلبية معززة ب 145 صوتا على القانون وقطع الطريق عن أي مسار عبثي يستهدف مصلحة البلاد واستقرارها".

وتساءل الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي في تدوينة مطولة عن المغزى من رد الرئيس مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية إلى البرلمان، والتعلل بانقضاء الآجال الدستورية، و"إن كانت تخفي رغبة لديه في رفض استكمال الهيئات الدستورية وتطويع ذلك في صراعه السياسي على حساب استقرار البلاد".

وعبر بالمقابل عن أمله في احترام الإجراءات الدستورية ومصادقة البرلمان مجددا على مشروع القانون بأغلبية معززة (131 نائبا) بما يمكن من تركيز المحكمة الدستورية بشكل سريع.

ومن المنتظر أن يعقد البرلمان جلسة عامة في الثامن من الشهر الجاري لاستكمال انتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين للمحكمة الدستورية، في حين اعتبر الخبير في القانون الدستوري رابح الخرايفي أن الجلسة لم يعد لها أي معنى بعد رد قيس سعيد لمشروع القانون.

ولفت الخرايفي في حديثه للجزيرة نت أن رد الرئيس كان سياسيا وليس دستوريا، حين ذكر البرلمان بالفصل 148 من الدستور القاضي بإنشاء المحكمة الدستورية في ظرف سنة من الانتخابات التشريعية لسنة 2014، ليحمل البرلمان بشكل غير مباشر مسؤولية التعطيل.

واستغرب الخبير بالمقابل، عدم توجه الرئيس قيس سعيد للطعن في مشروع القانون لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، وإعلان موقفه بعد انقضاء الآجال القانونية للطعون.

وينص الفصل 118 من الدستور التونسي على أن "المحكمة الدستورية، هيئة قضائية مستقلة، تتكون من 12 عضواً من ذوي الكفاءة، 3 أرباعهم من المختصين في القانون، الذين لا تقل خبرتهم عن 20 سنة".

"ويعيّن كل من رئيس الجمهورية، ومجلس نواب الشعب، والمجلس الأعلى للقضاء، 4 أعضاء، على أن يكون 3 أرباعهم من المختصين في القانون ويكون التعيين لفترة واحدة مدّتها 9 سنوات".

وتوكل لهذه الهيئة الدستورية المستقلة مهام حيوية تتعلق بسلامة مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد من خلال ضمان صيانة الدستور وحماية الحقوق والحريات، ومراقبة دستورية مشاريع القوانين المعروضة من قبل البرلمان، ومراقبة دستورية المعاهدات الدولية التي يعقدها رئيس الجمهورية.

حق دستوري لكن

ويقول النائب عن التيار الديمقراطي نبيل حجي إن الدستور منح رئيس الجمهورية حق رد أي مشروع قانون يقدم له من البرلمان، لكنه شدد بالمقابل على حرص حزبه على إرساء المحكمة الدستورية في أقرب الآجال.

وتابع للجزيرة نت "نحن في الكتلة الديمقراطية صوتنا على التعديلات المتعلقة بمشروع تنقيح قانون المحكمة الدستورية كما سنقوم بدراسة وجاهة التعليل المقدم من قبل الرئيس".

وشدد حجي على أن البلاد لم تعد تحتمل أي معارك سياسية وتستوجب حدا أدنى من التوافق لإرساء المحكمة الدستورية.

وحول الاتهامات التي طالت سعيد برغبته في احتكار تأويل الدستور من خلال الدفع لعدم إرساء المحكمة الدستورية، رفض النائب ما قال إنه دخول في النوايا، لكنه استدرك قائلا "لن ندخل في نوايا الرئيس لكن إذا تأكدنا من ذلك فالأمر يصبح خطيرا جدا".

وتشهد تونس أزمة سياسية غير مسبوقة بعد أكثر من شهرين على تصديق البرلمان بأغلبية مطلقة على تعديل وزاري رفضه الرئيس قيس سعيد، وهو ما عمّق هوة الخلاف بين رئيس الدولة من جهة ورئيسي الحكومة والبرلمان من جهة أخرى.

شقيق الرئيس يرد

وكان شقيق الرئيس الأستاذ في القانون الدستوري نوفل سعيد حذر في تدوينات له مما وصفه بمخطط لعزل رئيس الجمهورية والإسراع في إرساء المحكمة الدستورية، من خلال اتهام الرئيس بارتكاب “خطأ جسيم" في علاقة بأزمة اليمين الدستورية للوزراء الجدد.

وجاء في إحداها "طالما أنّ رئيس الجمهورية يمارس اختصاصاته الدستورية في كنف احترام الدستور فإنّه لا يمكن للمحكمة الدستورية مبدئيا أن تقرر عزله".

وتابع "الخطورة تزداد إذا ما علمنا أنّ تعجيلهم بإحداث المحكمة الدستورية الآن هو بغرض تكريس هذا الخلط بتلبيس القانون بالسياسة والدفع به إلى الأقصى ضد رئيس الجمهورية خصوصا إذا ما علمنا أنّه حسب الفصل 88 من الدستور يكفي لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية".

كما اعتبر شقيق الرئيس في تدوينة حديثة أن الرئيس قيس سعيد "لا يتحمل أية مسؤولية في تفويت إرساء المحكمة الدستورية في آجالها الدستورية".

الجزيرة

أحدث أقدم